السؤال: كيف تستطيع الداعية الحصول على القبول بين الناس؟ وكيف تتمكن مع كثرة الواجبات من متابعة مشكلات الأمة وهمومها والوقوف في وجه الغزو الثقافي..؟
الجواب: الحقيقة أن للسؤال جانبين: الأول: القبول عند الناس والآخر التوفيق بين الواجبات أو التنسيق بينها.
أما القبول فهو أولاً من عند الله تبارك وتعالى: {
إذا أحب الله تبارك وتعالى عبداً نادى جبريل.. ونادى في الملأ الأعلى: إني أحب فلاناً فأحبوه، فيحبونه؛ فيوضع له القبول في الأرض} وبالعكس -أعاذنا الله وإياكم- إذا أبغض عبداً من عباده.
ومعنى أنه من عند الله: أننا بالإخلاص لله والتقرب إلى الله عز وجل يمكن أن نحظى بالقبول لا لذاته؛ لكن لأننا نريد للحق أن ينتشر، ولا نعني بالقبول مجرد التقرب بالطاعات، لكن من شروط القبول أو من صفاته أو مؤهلاته أن نتحلى بأخلاق القبول أو متطلبات القبول التي منها: حسن الخلق، والبشاشة، واللين: ((
فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً))[طه:44] فالقول اللين أدعى للقبول بلا شك، بإجماع كل العقلاء، والكلمة الحسنة أدعى، وكذلك البر والصلة.
تعجب كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة عداوة المشركين له وتتبعهم له، ولا سيما عند الهجرة وعند الاحتياطات التي عملوها لإعاقة الهجرة، فوقفوا عند بيته صلى الله عليه وسلم فنجاه الله!
الثقة في أمانة المؤمن، في أمانة الداعية المسلمة، وفي حبها وحرصها على الخير وإخلاصها، هذه من أعظم ما يعطي الله سبحانه وتعالى القبول لها، فتكون عند الناس الصادقة الأمينة، وإن لم يستجيبوا لها في دعوتها كما كان صلى الله عليه وسلم كذلك.
فللقبول مؤهلاته، وهو على أية حال يمكن الإفادة من جانب القبول بالذات، ومن غيره طبعاً من الفوائد والتجارب البشرية -الحديث منها والقديم- في التعامل مع الخلق، وهناك شيء منها جبلة وطبيعة، كما كان كثير من الناس في الجاهلية والإسلام محببين إلى الخلق، وهناك جانب مكتسب، فيكون الحلم بالتحلم: {
إنما الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم} فكل شيء يأتي بالاكتساب والتدريب على ذلك حتى يحقق الإنسان لنفسه القبول، ليس طبعاً لذاته، لكن لأننا نريد أن يقبل الناس الدعوة، والناس الآن خصوصاً في هذا الزمن ملّوا من شعارات تردد، ويريدون حقائق يرونها في العدل والإخلاص، والصبر والقيام بالواجب أو النظام، سواء كان ذلك على مستوى الدول أو المجتمعات والمؤسسات.
أما التنسيق بين الواجبات، فينبغي أن نعلم أن تكاثر الأعباء وتداخل الواجبات هو المشكلة التي نشتكي منها جميعاً، وما لم يكن لدينا المقدرة على ترتيب الأولويات، وعلى وضع كل شيء في موضعه، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ فإنا نكون مقصرين وإن أفلحنا في بعض الجوانب، وهذا لا ينبغي، وقد يكون أيضاً مما يوقع في الإثم، فالزوجة التي تترك حق زوجها وأبنائها وتقصر فيه تأثم وإن كانت داعية ناجحة، والعكس.
إذاً يجب أن يكون هناك منهج في التنسيق بين هذه الأعباء والواجبات والمهمات، وهناك أكثر من توجيه أو حيلة أو وسيلة إلى هذا، وأنا أعتقد أن هذه من الأمور لا يمكن أن ينفرد بها الأخ أو الأخت بذاته، ولكن تكون بنظر من يعرف ذلك، وممن يستشار في ذلك الزوج أو الزوجة، ويستشار في ذلك أيضاً المربي أو الموجه، والأخوات المشاركات أيضاً في العمل الدعوي، الكل ممكن أن يعطي رأيه، فيما أصلح له، وماذا علي أن أقوم به، وكيف أوفق مع واجبات أخرى، لماذا؟
لأن الحالات البشرية مختلفة، فكل أخت هي غير الأخرى بلا شك، وتتشابه أحياناً بعض الأعمال، لكن يظل أن لكل إنسان طبيعته، وأن لكل زوج أو زوجة طبيعته الخاصة، وعدد الأطفال يؤثر، ونوعية العمل تؤثر، بل بعد المسافة أحياناً بين البيت والعمل يؤثر، بل نوعية الأعمال في المنزل تؤثر، والتقاليد والعادات تؤثر في هذا، وطريقة استقبال الضيوف وكذا وكذا.. لأن العمر هو هذه الأيام، وهذه الساعات.
فكثير من العادات تفرض على المرأة أحياناً ساعات طويلة في المطبخ .. بينما نجد في بعض المجتمعات أنها لا تحتاج منها إلى دقائق أو لا تحتاج منها شيئاً، فلا بد أن يكون هناك أيضاً مراعاة للفروق الفردية، واستشارة، ومن هنا قوله تعالى: ((
وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ))[الشورى:38] يصلح في هذه المسئوليات وغيرها، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا جميعاً إنه على كل شيء قدير.